قيل ... ان «الصداقة « ولدت من رحم «الصدق « بعد ان حملت بها سنوات عديدة ، كانت تغذيها على قيم نبيلة ، الى ان ولدت فجاءت «صداقة « نقيه من اي شائبة ، فصار من يحوز صفة « صديق « هو الاحب على النفس ... والاعز على الذات ... والاقرب الى القلب ، لانه الصادق قولا وفعلا وموقفاً ، وبقيت هذه حال الصداقة طاهرة نقيه لا تشوبها شائبة ، الى ان طالعنا ذات يوم في كتاب الحياة عبارة «صداقة حقيقية « هكذا جاء التوصيف فتساءلنا عندها هل يمكن ان تكون الصداقة غير حقيقية؟ وان كان هذا ممكناً هل يمكن ان تتحول الصداقة الى نقيضها ، فتصبح عداوة ... مثلاً؟
بداية ... حين نجح الانسان في انتاج « صداقة « اطلق عليها لقب « حقيقية « كان قد صنعها خارج رحم الصدق فجاءت مصنعة مصطنعة وعندما اكتشف مقدرته على هذه الصناعة رأيناه يصنع لنا «صداقة منفعة « ثم «صداقة مصلحة « ثم «صداقة ظروف « وهكذا تنوعت الصداقات بتنوع الاهداف الى ان اصيبت الصداقة بادواء الزيف والتزييف والخداع فقدرت على انتاج «الصديق العدو « ثم صنعت « العدو الصديق « وهكذا... !
الاشد غرابة ... وحيرة ، ما قدر الانسان على انتاجه في مصانع الزيف والتضليل ، فجاءت عبارة « الصديق الصدوق « لتجعلنا نتساءل ، عما اذا كان هناك « صديق كذوب « وان كان كيف يمكن ان يحدث ذلك؟ كيف يمكن ان تتجاور الصداقة التي ولدت من رحم الصدق مع صفة الكذوب التي اشتقت من الكذب ، الى ان فاجأتنا مصانع التزوير بانتاج بضاعة اخرى حول الصداقة فتصفعنا بمقولة « صديقك من صدقك « فتضاعف من تيهنا وحيرتنا فنسال مرة اخرى ، وهل ياتي من الصديق الا الصدق؟ هل يكذب الصديق؟!
في صحراء الحياة التي جفت فيها القيم نكتشف لدهشتنا ان كل انواع الصداقة التي ذكرنا وجميع اصناف الاصدقاء التي جئنا على ذكرها ، حية قائمة تسعى بيننا تشاطرنا حياتنا :
- « الصديق » ، كما ولدت من رحم الصدق النقي ، الذي لم تشبه شائبه موجود ولوانه نادر ، تجده حين يسابقك بحثاً عما يمكن ان يكون خيراً لك وهو يسبقك دوماً حين يرى شرا يتجه اليك يفديك بنفسه .
- « الصداقة» حين تحتاج للاحتماء بصفة « حقيقية « لطبيعتها المصنعة موجودة ايضا تبحث عن صفة تختفي خلفها حين تشوبها مواقف الشك والخداع والغش فتؤكد قولا انها صداقة حقيقية ومن الطبيعي ان ياتي التاكيد حين تطفو على السطح الظنون والشكوك .
- والصديق العدو موجود تراه لو نظرت وراءك هو الذي رفض ان يقف الى جانبك او حتى يسبقك كي تبقى دوماً امامه متاحا له اذا استدعى الامر ان يتحول من صديق الى عدو يطعنك من الخلف .
- والصديق الصدوق هو دوما حولك تراه عند الاتجاهات الاربعه لا يقف عند مكان او مسافة ثابته منك توكد صدقه ومصداقيته لكنه يتحين فرص التنكر لك يهتبل فرص الاستفادة من صداقتك لا يردعه رادع عن استغلالك حين تستدعي مصلحته ذلك يدعي لبس ثوب العفة والعفاف لكن ذلك فوق جسد مغمور بدوافع البحث عن المنفعة والمصلحة الذاتية .
بيد ان كل انواع الصداقة هذه التي ذكرنا ورغم ما احتوته من عيوب ونواقص تبقى اقل قسوة من تلك الصداقة التي قالها المتنبي في بيت شعره :
ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى عدوا له ما من صداقته بد